
أسامة داود يكتب:إسماعيل سلام .. "صنايعى" الطب و"أسطى" الصحة بمصر ( 3 )

جمع صفات الفلاح ابن البلد والارستقراطى تربية الخواجات صاحب شعار : البسطاء يعالجون دون واسطة ولا يتسولون الدواء أعاد سلام لمهنة التمريض كرامتها وجعلها مصدرا للعملة الصعبة فى تاريخ مصر 48 وزيرا للصحة بداية من محمد شاهين باشا فى عام 1936 وقت الملك أحمد فؤاد الاول إبن الخديوى اسماعيل ، وحتى هالة زايد التى لا نعرف عنها شيئًا الآن.. وبين كل هؤلاء الوزراء كان أعظمهم عبد الواحد بك الوكيل وقد شغل منصب الوزير من 14 مايو 1942 حتى 8 أكتوبر 1944 ، ورغم ضيق تلك الفترة إلا أنه أنشأ ولأول مرة فى مصر الوحدات الصحية المجمعة والتى تضم الشئون الاجتماعية مع الصحة فى كيان واحد ، وعلى حد تأكيدات إسماعيل سلام كانت لها نتائج ايجابية... يليه النبوى المهندس وهو الوزير رقم 25 الذى تولى أمور الوزارة منذ عام 1962 وحتى عام 1968 وأسس الوحدات الصحية فى كل انحاء مصر واصبحت تمثل طبيب الأسرة وشهد بذلك الدكتور حاتم الجبلى وزير الصحة الاسبق عندما سألته عن أعظم وزراء الصحة فى تاريخ مصر قال هو النبوى المهندس وسرد تلك الاسباب. كانت كل وحدة صحية تسند لطبيب قديم متمرس يعيش وأسرته بها وبها أطقم من التومرجية والتمريض ويتوافد عليه تلاميذ المواطنين وطلبة المدارس كل بضعة اسابيع لعمل الفحوصات وإعطاء علاجات. وكانت البلهارسيا التى تنتشر فى مصر تواجهها الوزارة من خلال الوحدات الصحية بالعلاجات ومنها حقن الطراطير وغيرها مما انقذ المواطنين من أخطار امراض كثيرة ، وكانت هى العلاجات المتاحة فى العالم فى ذلك الوقت. بينما يأتى اسماعيل سلام الوزير رقم 37 فى قائمة وزراء صحة مصر ليستحق لقب أفضل وأخطر وزراء الصحة فى تاريخ مصر لأنه يستحق وبحق لقب وزير الفقراء وبإعتبار أن للأغنياء طرق الحصول على كل ما يريدونه إما بأموالهم وإما بالمحسوبية والواسطة. وكانت أعمال إسماعيل سلام امتداد لفكرة العطاء التى تأصلت بعبقرية وإخلاص سلفه النبوى المهندس ليرسم لمصر طريق جديد للصحة التى تقوم على استراتيجية حصول المواطن - أى مواطن وبخاصة فقراء الوطن - ولأول مرة منذ عقود على حقه فى الصحة بشكل طبيعى دون وساطة ولا تسول لثمن العلاج. ولأول مرة كان المواطن لا يشعر بالخوف إذا ما تعرض لازمة صحية لكون العلاج على نفقة الدولة أصبح حقا لكل مواطن على يد إسماعيل سلام الذى أنعش المستشفيات العامة التى كانت تعيش حالة من الخواء والعطب الذى اصاب المنطومة كلها حجر وبشر لعدم التطوير. استئصال آفة الصحة كان إسماعيل سلام صنايعى ماهر وأسطى بمعنى الكلمة لقطاع الصحة وكان قد تمكن من التشخيص السليم لجسد الصحة العليل ، ومن يملك التشخيص يستطيع بالطبع تحديد العلاج وهو ما كان يتميز به سلام الفلاح ابن البلد والارستقراطى تربية الخواجات الذى عاش فى لندن ودرس وتتلمذ على يد علمائها. من الآفات التى أدرك سلام أنها تعيق تقدم قطاع الصحة فى مصر هى عدم التكامل بين الصحة كوزارة وبين المسشفيات الجامعية والتى تملك عناصر البحث العلمى وتتولى إجراء الاختبارات والتجارب وتطبيق كل ما هو حديث فى العلم بتخصصاته الدقيقة والتى يحاكى المستقبل. وبإعتباره أستاذًا جامعيا أيضا فهو يعلم أن مصر بها كل التخصصات وأن لدي الطبيب المصرى الكفاءة العلمية والقدرة على استيعاب كل ما هو جديد ، وكان هذا هو السبب الذى جعله يستعين بكل الكوادر الجامعية فى منظومة الصحة لتذوب الحواجز والحساسيات وبالتالى حدث اندماج بين المنظومتين بفضل الله أولا وفكر إسماعيل سلام ثانيًا. لم تكن جراحات القلب التى سبق وأشرنا اليها فى مقالات سابقة هى الوحيدة التى إهتم وأبدع فيها اسماعيل سلام ، بل سار وفى خط موازٍ فى علاج الاورام ، فاستعان بالعالم الجليل الدكتور حسين خالد استاذ علاج الاورام وأول من حصل على الدكتوراه فى الاورام من جامعة القاهرة وأصبح فيما بعد عميد معهد الاورام القومى ثم وزيرا للتعليم العالى والبحث العلمى - ليشرف على تأسيس قسم الاورام فى معهد ناصر والذى اصبح فيما بعد مركزا متكاملًا لعلاج الاورام. كما قرر إنشاء قسم لزرع النخاع وهو من الجراحات الخطيرة التى تنقذ بإذن الله حياة مصابى أورام الدم مثل اللوكيميا.. فأسند تأسيس الوحدة للدكتور حسام كامل أحد العلماء القلائل فى ذلك الوقت المتخصصين فى علاج امراض الدم ثم انتقل الى جراحة الاورام وأسند مهمتها الى الدكتور محمد القلعاوى اكبر استاذ فى جراحة أورام الثدى ليتولى تأسيس ورئاسة القسم ، وقسم زراعة الكلى وكان يرأسه الدكتور محمود الشربينى ويجرى القسم جراحتين إسبوعيًا فى معهد ناصر وكان أول قسم من نوعه فى الشرق الاوسط. وانتقل سلام الى تخصص آخر وهو جراحة الاوعية شذالدموية وتولى أمره الدكتور طارق عبد العظيم ومنها الى جراحة الصدر ويستعين بالدكتور أشرف هلال رئيس قسم جراحة الصدر فى القصر العينى ليؤسس القسم بمعهد ناصر. ولم يهمل سلام أى من التخصصات الدقيقة ويأتى على رأسها جراحة العمود الفقرى وأسند المهمة الى الدكتور يسرى الهوارى وياسر المليجى ليدخل تخصص جراحة العمود الفقرى فى عام 1999 بالمعهد وكان أكبر قسم واول قسم فى وزارة الصحة والأول فى الدول العربية أيضًا والافريقية ، وافتتح القسم وقتها الرئيس الاسبق مبارك لكونه كان حدثًا هامًا بمعايير هذا الزمن. وكل هؤلاء لم يكونوا مجرد أساتذة فى مختلف تخصصات الطب بل كانوا علماء أجلاء تشهد لهم دوائر الطب فى العالم بالنبوغ والتفرد. كرامة مهنة التمريض ومن تخصصات علاجات الامراض الدقيقة إنتقل سلام الى تدريب خريجى المدارس الفنية ومعاهد التمريض وتأهيلهم لدخول سوق العمل. وكانت عناصر التمريض تتدرب على العمل بكل الأقسام والتخصصات حتى اذا أصبحت مشرفة تكون قد اكتسبت خبرة التعامل مع كل التخصصات. وأعاد سلام لمهنة التمريض فى مصر كرامتها واصحبت عناصر التمريض المصرى تتهافت على جذبها الدول العربية والاوربية لكفاءتها وقدرتها على التعامل مع كل الامراض بمهارة طبية فائقة طالما وجدت المناخ المناسب للعمل والتقدير المادى والمعنوى وهنا تولدت فكرة تأسيس مدرسة تمريض للفتيات. كانت المدرسة على حد تأكيدات الدكتور بهاء أبو زيد تتولى تخريج عناصر مؤهلة عمليًا حيث تكون قضت معظم سنوات الدراسة فى التدريب العملى بكل الاقسام وبالتالى من مجرد مستشفى تستقبل عناصر التكليف من التمريض تتحول الى صناعتها وإعدادها حتى أضحت وسائل جذب للعملة الصعبة من خلال عملها فى الخارج بعد تغطية احتياجات الداخل. الحلقة القادمة : حكاية سطو وزراء البيزنس على معهد ناصر.